بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

عالمنا الداخلي

مواضيع ساخنة - صحة نفسية


أثناء اعدادي لهذه الدراسة تلقيت فجأة برقية من أمريكا. كنت قد وعدت بإرسال مقالة لتُنشر في عدد الشهر الحالي،

 وهاهي المجلة التي كان ينبغي أن تظهر فيها المقالة جاهزة للطبع! كنت قد نسيت تماماً، وكنت في مُنتهى الإحراج.
فالزميل الذي أرسل البرقية لابد أنه شك في إخلاصي حقيقي. ولكن لماذا نسيته؟ هكذا ففي أي وقت يمكن لبرقية، أو مطالبة، أن تكشف لنا فجأة عن سهو، أو إهمال، أو خطأ قد ارتكبناه بالفعل دون أن ندري.
هناك نوع من الذنب الكامن، أو الموجود في اللاشعور، ومع ذلك فهو نوع مُخيف. فنحن نعيش باستمرار تحت تهديد أن ينكشف شيء ما لا يمكن تجنبه، حيث أننا لا نستطيع أن نفكر في كل شيء. فمثلاً قد يؤدي التأخير في كتابة خطاب إلى إيذاء شخص ما، ثم ندرك ذلك فجأة بعد أن يكون من المستحيل إصلاح الأذى. فمثلاً في حالة أحد المرضى، لم نفكر في عمل فحص مُعين كان من الممكن أن يجنبنا خطأ سخيفاً في التشخيص.
هذه هي في الواقع الحالة التي نعيش فيها: الإدراك المُبهم المصحوب بالقلق بأنه بالإضافة إلى جميع أخطائنا التي نعرفها هناك عدد أكبرمن الأخطاء والتي قد تظهر فجأة كنتيجة لحدث مُعيّن.
نحن دائماً تحت تهديداً قد يسبب لنا كثيراً من الحرج.هذا يجعل في داخلنا نوعاً من القلق المستمر. فنحن نشعر على الدوام في حالة افتراض وجود ذنب كامن وغير متوقّع.
بالإضافة إلى ذلك، ففي جميع أنواع القلق يوجد شيء من الخوف من أن نكون مُذنبين دون أن ندري، وهذا يجعل الأمر أكثر إيلاماً. فإذا تأخر الطفل عن الرجوع إلى المنزل، تنتابني الهواجس:
أرجو ألا يكون قد اصابه مكروه! ربما كان ينبغي ألا أسمح له بالذهاب بعيداً! ربما كان ينبغي أن أؤكد عليه بضرورة إصلاح فرامل الدراجة! ربما لم أقدم له النصائح الكافية! ربما حدث سوء فهم بخصوص موعد الرجوع، ولكن هذا يعني أني لم أكن واضحاً معه بالقدر الكافي، إني هكذا دائماً، غير واضح بالمرة! هذا يسبب لي كثيراً من المشاكل!... وماذا أيضاً؟.... ربما عليّ مسؤوليات أخرى ولكني غير مدرك لها.
ثم يعود الطفل، مبتسماً. فهو بكل براءة قد أطال في الحديث مع أحد اصحابه. إني الآن مشوّش للغاية، وأشعر بالذنب بسبب قلقي.
فإني مُعرّض أن أعطّل نمو طفلي، إذا أبديت مثل هذا الإنعدام في الثقة. إن فيضان اسألتي قد اختفى ولكنه لابد أن يعود للظهور على موضوع آخر، سوف يدور في رأسي مثل دوامة غير ملموسة من الذنوب النظرية، والتي قد تكون أيضاً حقيقية.
إن مايضايق في موضوع النسيان هو أنه يجعلنا نشعربالعجز. فنحن لا نستطيع أن نفكر في كل شيء، ولذلك فنحن نعتذر بالنسيان: "إني مُتاسف ياسيدي الفاضل، لقد نسيت تماماً". ولكن النسيان هو أيضاً اتهام مع كونه عذراً. فما كان ينبغي أن أنسى لو كنت حقاً دقيقاً، أميناً، ملتزماً، ومسيطراً على نفسي.
فنحن على سبيل المثال، كثيراً ما نشعر بالحرج عندما نعجز عن تذكّر اسم أحد مرضانا.
وفي الحقيقة، فإن الأمر يتضمن أكثر من ذلك. فلقد أثبت لنا فرويد أن أي سهو، أو اغفال، لايمكن أن يحدث بالصدفة. فهو يكشف عن دافع لاشعوري مخالف لنوايانا الشعورية. وفي الواقع، فإنه قبل ظهور التحليل النفسي بزمن كبير، كان لدى الناس فكرة عن ذلك. فالنسيان يكشف عن خطأ في الاتفاق مع النفس، وعن وجود تحايل داخلي نشط يعوق أفعالنا الواعية، إنها قوة تفلت من زمام إرادتنا، وتختبئ في الظل، لتضربنا من الخلف في وقت غير متوقع.
وبذلك فإننا نشعر أننا بشكل ما غير مسؤولين عنها، ولكننا في نفس الوقت مُذنبين، إنها تكشف للآخرين ولأنفسنا أيضاً، حقيقة أننا لسنا بالضبط مثل مانبدو عليه. نحن نعترف بالود والصداقة، وفجأة يأتي النسيان لينقض هذه الحقيقة، ويكشف عن عدوانية كنا نود أن ننكرها. فوراء الفضائل التي نفتخر بها، يوجد العديد من الذنوب التي نُفضّل أن نغمض أعيننا عنها، والتي ينبغي ألا ننجح في تحديدها بالضبط حتى إذا رغبنا في ذلك.
إن الخوف من نسيان شيء يجعل بعض الناس يعانون كرباً حقيقياً عندما يضطرون إلى حزم حقائبهم للقيام برحلة. كذلك فإننا نشعر أننا دائماً مُذنبون بسبب شرود الذهن. قال لي احد الأصدقاء أنه قابلني بالأمس في الطريق وأنني لم اره. إني في الحقيقة لست مذنباً، فأنا لم أتظاهر بأنني لم أره لكي أوفر على نفسي مثلاً الوقت المنقضي في الحديث.
ومع ذلك فإني أشعر بأن شرود ذهني هو في حد ذاته ذنب، لأنه يعني أني مُتاح للعالم الخارجي بسبب استغراقي في عالمي الداخلي الصغير.
بول تورنييه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق